< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

40/07/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تتمة العوامل المؤثرة في تأسيس العرف

قبل عدة جلسات قد تحدثنا حول بعض العوامل المؤثرة في تأسيس العرف، لأن العرف كسائر الموضوعات يتشكل بالأسباب و العوامل، و لابد للفقيه والأصولي أن يتعرف على هذه الأسباب والعوامل كي لا يشتبه عليه الأمر في الاستنباط عند الاعتماد على العرف.

ولا ريب في أن العوامل في تأسيس العرف قد تكون من العوامل الصحيحة، وقد تكون من العوامل الفاسدة، وتشخيص الصحيح من الفاسد يحتاج إلى التعرف على نفس العوامل ثم التأمل فيها.

فلذلك قد بدأنا ببيانها وأشرنا إلى بعضها وبقي بعضها الآخر.

أما بعض العوامل التي ذكرناها مثلاً:

1 - الفطرة الإنسانية.

2 - الإدراك والتعقل.

3 - التجارب الحاصلة من مجموع النجاحات.

4 - الأحكام الشرعيّة التي يبلّغها الأنبياء في وقتهم ثمّ تستمر من بعدهم.

5 - القوانين الإلزامية التي تؤسسها الدولة أو الحكومة أو أي سلطة اجتماعية أخرى بحيث يَجري عليها جميع العقلاء، فتكون عرفاً جارياً في المجتمع.

6 - حاجات المجتمع ومتطلباته.

7 - تقليد الآخرين سواء أكانوا من المتقدمين أم من المعاصرين.

و بقي لدينا تتمة هذه العوامل، ولكنها كثيرة جداً.

 

وسأشير إلى نماذج أخرى منها في هذا الدرس:

8 – تأثير الغزوات الثقافية الاستعمارية.

لأن الدول الاستعمارية تهتم في غزوها الثقافي وحروبها الناعمة لتخريب القيم الأخلاقية لدى شعوب الدول الأخرى، و إلغاء العرف المتداول فيها فيما بينهم، وإيجاد عرف جديد مثل ما يجري عليه الغربيون في البلاد الإسلامية لتغيير الثقافة الإسلامية والعرف الإسلامي المتداول بين الشعب إلى العرف والثقافة الجديدة لمصلحة الغرب.

وذلك مثل تغيير سلوك الشباب والنساء والرجال والأطفال في اللباس، وحتى في كيفية التكلم و التعامل مع المجتمع، فجميع هذه الموارد ونظائرها متأثرة من هذه الحركة الاستعمارية الغربية.

فمثلا لو كنا نريد أن نعتمد على العرف المتداول ونواجه العرف الجديد فلا بد وأن نتأمل فيه بأنه هل هذا العرف قد أحرز الشرائط اللازمة أم لا؟

9 – التسامح.

لأن بعض الأعراف تنشأ من التسامح الذي يظهره بعض الناس في حياتهم في بعض الأمور.

فمثلاً نراهم ومن باب التسامح يدّعون الوصول إلى محل ما أو مكان ما في حين أنهم لم يصلوا إليه واقعاً وحقيقة.

فهذا يتشكل من التسامح فلا شك في أنه عرف متسامح، وهو كما قلنا ليس بحجة قطعا.

10 – جهل المجتمع.

الجهل كما يوجب الإفراط والتفريط فيوجب تأسيس سلوك جديد، وخطأ في المنهج فيصبح الإفراط أو التفريط أو الخطأ والخرافة مع الأيام بعد ذلك عرفاً قائماً بين الناس.

فهذه الأمور كلها مؤثرة في تأسيس العرف ولكنه ليس كل منها معتبرة في ملاكية العرف، لأن العرف الذي يمكن الاعتماد عليه في تعيين الموضوعات والتطبيق على المصاديق كما قلنا هو العرف العام الصحيح والدقيق.

فظهر من المطالب التي قدمناها آنفاً أن بعض هذه الموارد ليس عرفاً عاماً، بل يكون عرفاً خاصاً للبعض، وفي بعض الموارد ليس عرفاً صحيحاً أصلاً، بل يكون عرفا فاسداً، والبعض الآخر ليس عرفاً دقيقاً بل يكون عرفاً مسامحاً، ولا يُعتنى بهذه الأمور، بل العرف المعتبر هو العرف العام الصحيح الدقيق.

وفي ذلك لا فرق بين العرف القولي والعرف العملي.

خلاصة المباحث:

لاشك في مرجعية العرف في تشخيص الموضوعات وتعيين مفاهيمها وتطبيقها على مصاديقها، والمقصود من مرجعية العرف هي مرجعية العرف الصحيح وليس الفاسد، ومرجعية العرف الدقيق وليس المتسامح، ومرجعية العرف العام وليس الخاص، فهذا العرف هو المعتمد عليه في الشرع وفي أحكام الشرع.

و هذا العرف يقسم إلى قسمين : عرف يحقق الموضوع وعرف يعين الموضوع.

أما القسم الأول فالمقصود منه عرف زمان الشارع، والثاني المقصود منه هو عرف زمان المكلف.

و هذا العرف يقسم من جهة دخله في الموضوعات إلى الأقسام الثلاثة:

الموضوعات الشرعية المستنبطة. الموضوعات العرفية المستنبطة. الموضوعات العرفية المحضة.

ففي القسم الأول والثاني يجوز التقليد، وأما الثالث فلا يجوز التقليد بل الفقيه يُعتبر من أهل الخبرة في الموضوع.

وكما قلنا: إن العرف بعد إحراز شرائطه من الصحة والدقة والعمومية يتدخل في تعيين المفاهيم كما يتدخل في التطبيق على المصاديق ولا فرق بينهما.

والمهم هو أن جريان الحكم الشرعي على موضوع عرفي لا بد فيه من إحراز ذلك الموضوع، وأما قبل الإحراز وفي فرض الشك فلا يجري الحكم.

هذا ملخص ما قلناه في مرجعية العرف.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo