< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/06/02

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: في ذكرى شهادة الزهراء (ع):

قد ورد في بعض الكتب من مصادر السنة والشيعة بشأن السيدة الزهراء أنها كانت تكنى بأم أبيها.

كالأربلي في كشف الغمة: فقد ذكرَ الأِربليُّ في "كشف الغُمَّة" أنَ النبيَّ (ص) كان يُعَظِّمُ شأنَها ويرفع مَكانَها، وكان يُكَنِّيها بأمِّ أبيها.

وهنا سوال يطرح نفسه وهو: ما هو المقصود من تكنية الزهراء بهذه الكنية؟

وبما أن النبی (ص) لا ينطق عن الهوى، إن هو إلا وحيٌ يوحى ، فما السرّ في إعطاء هذه الكنية لبضعتِه بالخصوص؟ وما هی الخصوصيّةُ التي تميَّزَتْ بها الزهراءُ البتولُ (ع) حتى تؤهِّلَها للتَّكَنّي بأمّ أبيها حسبَ ما نقلَت الصِّحاحُ من النصوص؟

في مقام الإجابة لا بد من الاشارة إلى بعض النقاط الهامة:

1 - لا ريْبَ في أنّ تلك الكُنيةَ انعكاسٌ لعَظَمَة مَقامِ الزهراء (ع) وعُلُوِّ شأنِها بحيث يمكن القول بأنه لو لم يكن لفاطمةَ (ع) سوی هذه الکنية التي كنّاها بها أبوها رسولُ الله (ص) ، لكفاها بذلك فخراً لا يُضاهيهِ أيُّ فخرٍ!

2 - لفظةُ الأمِّ في العربيةِ تعني أصلَ كلّ شيء من الجهتين:

إمّا من جهة الخلقِ والوجود أو من جهة الاستمرار والبقاء.

وإنّما سُمِّيَت والدةُ الإنسان بالأُمِّ لدورِها الأساسِ فی وجود الإنسان ولادةً واستمرارِ حياته رعايةً...

أما الجهة الأولى فمنتفية على الزهراء ع ولم تَبْقَ إلا الثانيةُ.

فهنا سوال ثان يطرح نفسه وهو كيف كانت الزهراء (ع) سبباً لاستمرار وجود الرسول (ص) وخلوده؟

للإجابة عن ذلك السؤال، ما علينا سوى الرجوع لسورة الکوثر من القرآن الكريم التی أجمعَ المفسرون من سياق آياتها أنها خاصّةٌ بالزهراء (ع)؛ تدل علی أنّ وُلدَ فاطمة (ع) ذريتُه (ص) فالزهراء ع سبب لاستمرار نسل رسول الله (ص) ولذلك كنّيت بأم أبيها.

ولکنه هل ينحصر معنى استمراريّةِ الرسول (ص) بكثرة النسل الجسمانيِّ فحسبُ؟

لعلّ من ضيق الأفقِ الوقوفُ على مجرَّد ذلك المعنى؛ إذ لم يتحمّل رسولُ الله (ص) كلَّ تلك المصاعبِ والمَشاقِّ ليُخَلِّدَ ذِكرَه.

من خلال آية المباهلة وآية ذي القربى وما ورد في الروايات مثل ما قال الإمام الحسين (ع) لشقيقته الحوراء زينب (ع) أثناء واقعة الطف في وصيةٍ لها :"... وَ أُمِّي‌ خَيْرٌ مِنِّي[1] ‌"،

وما ورد عن الإمام المهدي (عج) قوله:" ِ وَ فِي ابْنَةِ رَسُولِ‌ اللَّهِ‌ ص لِي أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ"[2] .

والحديث المرويِّ عن الإمام العسكريّ (ع): " نحن حجج اللَّه على خلقه وجدّتنا فاطمة حجة اللَّه علينا"[3] و في لفظ آخر "وأمنا فاطمة حجة علينا"

ويظهر دور الزهراء (ع) في استمرارية نهج رسول الله وشريعته ومواجهة الانحراف الفكريِّ والتغلُّبِ عليه.

فكانت بحقٍّ أمَّ أبيها في صراع رسالة الإسلام والبصيرة في الدين ضدّ تيارات الانحراف وبقاء الدين.

إذن فاطمةُ هي أمُّ الرسالة والإمامة، ولولاها لما بقي من الإسلام الأصيل إلا اسمُه ومن الشرع المحمدي إلا رسمُه.

وقفة عند بعض حوادث يوم اسشتهاد الزهراء ع :

روى الخوارزمي عن ابن عباس أنه قال: ولمّا جاء فاطمةَ الأجلُ، لم تَحُمَّ ولم تُصْدَع. ولكن أخذَت بيدَي الحسن والحسين فذهبَت بهما إلى قبر النبي (ص)، فأَجْلَسَتْهُما عنده، ثم وقفَتْ فَصَلَّت بين المنبر والقبر ركعتين، ثم ضمَّتْهما إلى صدرها والتزمَتْهما، وقالت : يا ولدَيَّ! اِجلِسا عند أبيكما ساعةً. وعليٌّ (ع) يصلّي في المسجد، ثم رجعت نحو المنزل، فحملَتْ ما فَضُلَ من حنوطِ النبي (ص) فاغتسلَت به، ولبِست فَضْلَ كَفَنِه، ثم نادت: يا أسماء! وهي امرأة جعفر الطيار. فقالت لها: لبيكِ يا بنت رسول الله! فقالت: تَعَاهَديني، فإني أدخلُ هذا البيتَ، فأضعُ جَنبي ساعةً، فإذا مضَت ساعةٌ، ولم أخرجْ، فنادَيْتِني ثلاثاً؛ فإن أجبتُكِ. وإلا فاعلَمي أنّي لحِقْتُ برسول الله (ص)، ثم قامت قامَ رسول الله في بيتها، فصلَّت ركعتين، ثم جَلَّلَتْ وَجْهَها بطَرَفِ رِدائها وقَضَتْ نَحْبَها، وقيل: بل ماتت في سجدتها. فلما مضت ساعةٌ أقبلَت أسماءُ فنادت: يا فاطمةُ الزهراءُ، يا أمَّ الحسن والحسين، يا بنتَ رسول الله، يا سيدةَ نساء العالمين، فَلَم تُجِبْ، فدخلْتُ فإذا هي ميتة، فقال الأعرابي: كيف علِمَتْ وقتَ وفاتها يا ابن عباس؟ قال: أعلَمَها أبوها. ثم شَقَّتْ أسماءُ جَيبَها، وقالت: كيف أَجتَرِىءُ فأُخبرَ ابنَي رسول الله بوفاتِكِ؟ ثم خرجَتْ، فَتَلَقَّاها الحسنُ والحسينُ فقالا: أين أمُّنا ؟ فسكتَتْ. فدخلا البيتَ؛ فإذا هي مُمْتَدَّةٌ، فَحَرَّكَها الحسينُ، فإذا هي ميتة، فقال: يا أخاه! آجَرَكَ اللهُ في أُمِّنا. وخرجا يناديان: يا محمداه! اليومَ جُدِّدَ لنا موتُك؛ إذ ماتت أمُّنا. ثم أخبرا علياً وهو في المسجد فَغُشِيَ عليه، حتى رُشَّ عليه الماءُ، ثم أفاقَ فحملَهُما، حتى أَدْخَلَهُما بيتَ فاطمةَ الزهراءِ، فرآها وعند رأسها أسماءُ تبكي، وتقول: وايتامى محمداه! كنا نَتَعَزَّى بفاطمة ( عليها السلام ) بعد موت جدكما، فَبِمَن نتعزّى بعدها؟ ثم كشف علي ( عليه السلام ) عن وجهها[4]


[3] أطيب البيان في تفسير القرآن، عبد الحسين الطيب، ج13ص225.
[4] موسوعة شهادة المعصومين (ع)، ج1، ص231.

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo