< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/06/23

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: تحليل سيرة العقلاء والمتشرعة في محاسبة الأرباح و مبدأ السنة الخمسية.

قلنا إن الخلاف الموجود بين الفقهاء في مبدأ السنة الخمسية وبداية عام استثناء الموونة إنما لأجل الخلاف في نظرهم وتوجههم إلى المسألة من حيث المكلف والعمل الاقتصادي، لا لأجل تعدد حقيقة الموضوع.

و ما كان هدف الفقهاء تعدد الأقوال، بل كان هدفهم توضيح المسألة لإظهار حكمها وحكم جميع جوانبها وفروعها وصورها، ولأجل بلوغ هذا الهدف لجؤوا إلى تعدد الأقوال، وظن البعض و تخيل أن هذه الخلافات في حكم فروع المسألة إنما هي أقوال، لكنها في الحقيقة ليست أقوالا بل هي حكم فروع المسألة.

أي في الحقيقة ليس الخلاف في تعيين مبدأ العام الخمسي ولا في تعدد العام واتحاده، بل الخلاف في كيفية النظر إلى المسألة.

وقد صرح بهذا السيد الخوئي في شرح مسألة 60 من العروة بعد أن أشار إلى الخلاف الموجود بين الفقهاء في تعيين مبدأ السنة في حال الشروع في الكسب أو زمان ظهور الربح فقال:

و ذلك لا لأجل الاختلاف فيمفهوم عام الربح ، بل المفهوم واحد، والاختلاف انما نشأ من ناحية المصداق و التطبيق الخارجي حيث ان انطباقه على الكاسب من أول الشروع في الكسب و على غيره من أول ظهور الربح[1] .

فهذا سماحة الشيخ مكارم الشيرازي حفظه الله قدّم تحليلا مفيدا في مقام الاستدلال على تعيين العام الواحد للجميع، فإليكم نصه:

الأول: إنّ المتعارف بين العقلاء من أهل العرف هو ذلك، فإنّهم إذا أرادوا محاسبة الربح والمصارف لكلّ إنسان حاسبوا مجموع ما انتفع به طول السنة وأخرجوا منه مصارفه وكان‌ الزائد ربحاً خالصاً، وكذلك بالنسبة إلى الشركات التي فرقت رأس مالها في أنواع من المكاسب فبعضها في التجارة وبعضها في التنمية الزراعية وبعضها في المصانع وغيرها فيحاسبون الجميع، ثمّ يعلنون الربح والخسران، وكذلك في مصارف الحكومات ومنافعها فإنّ المعمول فيها أيضاً محاسبة جميع المنافع طول السنة والمصارف كذلك ثمّ محاسبة كسر الميزانية.

وإطلاق قوله عليه السلام: الخمس بعد المؤونة يرجع إلى هذا الأمر المتداول بين أهل العرف فيما بينهم.

إن قلت: بل نراهم يحاسبون كلّ واحد من هذه الأُمور مستقلًا من حيث الربح والخسران، فيقولون ربحنا في تجارتنا وخسرنا في زراعتنا.

قلت: هذا إذا أريد محاسبة نفس المكاسب من حيث الربح والخسران لا محاسبة ربح الإنسان وخسرانه بعنوان شخصه، ففي الأوّل يقولون خسرت هذه الصفقة وربحت تلك الصفقة، ولكن إذا أريد مصارف الشخص ومنافعه يقول ربحه طول السنة هذا ومصرفه هذا فبقي هذا المقدار الذي هو الربح الخالص الزائد، وأنت إذا راجعت أحوالهم تراهم لا يتعدون هذا الأمر.

الثاني: جريان السيرة من المتشرعة عليه، فإنا نراهم على ملاحظة المجموع من حيث المجموع دون ملاحظة كلّ فائدة برأسها، فعلى رأس السنة يحاسبون مجموع أموالهم الموجودة بعد وضع المؤونات، ويقايسونه مع رأس مالهم في السنة الماضية فيأخذون بالتفاوت بينهما ويخمّسون أموالهم، ولكلّ واحد منهم وقت معين معلوم لتخميس أمواله في كلّ سنة.

مع أنّ كثيراً من الناس لهم أنواع مختلفة من المكاسب فعندهم زراعة وتجارة أو حرفة يدوية أو غلةدار أو دكان وغير ذلك، ولو كان لكلّ واحد من هذه الأنواع، بل لكلّ مصداق من مصاديق النوع الواحد حول برأسه (لعدم الفرق بين تعدد الأنواع أو الأفراد) لكان سنة تخميس الأموال في كلّ شهر أو كلّ اسبوع ولو كان ذلك لاشتهر وبان، لا سيّما إذا قلنا بوجوب الخمس في الهدايا، فلابدّ من ملاحظة كلّ هدية وجعل سنة خاصة لها، وهذا مقطوع العدم بينهم.

ولذا قال صاحب الجواهر في ردّ هذا القول- فيما حكى من عبارته: «كأنّه معلوم العدم من السيرة والعمل. [2]

وعدم وقوع السؤال عنها أيضاً دليل على ما ذكرنا.

وهذه السيرة وإن كانت مأخوذة من بناء العقلاء، ولكنها دليل مستقل بعد ظهور جريانها إلى زمن المعصومين عليهم السلام.

هذا مع استلزام القول الثاني للهرج الشديد في كثير من الأوقات فإن جعل سنة خاصة لكلّ منفعة جديدة (لا سيّما إذا قلنا بعدم الفرق بين اتحاد النوع وعدم اتحاده) ثمّ توزيع مؤونة السنة على كلّ واحد في وقته بعضها على واحد منها وبعضها على اثنين وبعضها على الثلاثة مشكل جدّاً، ومن المعلوم عدم تداوله بين المتشرعة أصلًا.

الثالث: ظهور إطلاق قوله عليه السلام في صحيحة علي بن مهزيار: «فأمّا الغنائم والفوائد فهي واجبة عليهم في كلّ عام» فإنّ ظاهره ملاحظة المجموع في كلّ عام، وليس جعل عام لكلّ واحد مستقلًا وما قد يقال من عدم كونها بصدد البيان من هذه الجهة ممنوع بعد ظهور قوله:

«في كلّ عام» في محاسبة الأموال كلّ سنة مرّة واحدة مع أنّ كثيراً من الناس لهم منافع ومداخل مختلفة من غلة دار وربح تجارة وعمل يد إلى غير ذلك، وبالجملة فإنّ ظاهر الصحيحة أنّ المال يحسب في كلّ عام مرة واحدة ويؤخذ منه الخمس =-سواء كان موزعاً على أعمال مختلفة أو عمل واحد.... [3]

فظهر من التحليل وبيان الاستدلال أن الاعتبار والملاك في تعيين السنة وعام استثناء المؤونة هو الشخص والمكلف وليس الملاك هو العمل ونوع الشغل، لأن المتبادر من المؤونة إلى الذهن انما هي مؤونة الشخص سواء كانت مؤونة تحصيل الفائدة أو مؤونة نفسه وعياله، كما جرى على لسان الفقهاء و صرح به البعض كالشيخ الأعظم الانصاري في كتابه الخمس:

ثمّ إنّ المتبادر من مؤنة الشخص عند الإطلاق مؤونة السنة له، كما يقال: فلان كسبه لا يفي بمؤونة[4]


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo