< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/10/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع : المسألة السادسة عشرة: حكم تخميس الزائد مما اشتراه من الأرباح:

قبل البحث في المسألة ينبغي أن نتعرض لمقدمة تمهيدية كي تمهد الأرضية اللازمة للتحقيق فيها وهي: أن التموّن والاستفادة مما يسمى بالمؤونة يكون إما بالعين أو بالمنفعة، والثاني منهما يتحقق بالتصرف فيها وزوال المنفعة، كسُكنى الدار.

وأما الأول فهو ينقسم الي قسمين: تارة يتحقق بالتصرف في العين والاستفادة منها، وبعد التصرف تتلف العين، كالمأكولات والمشروبات، لأن التمون بها عبارة عن أكلها وشربها، والمأكول والمشروب يزول بعد الأكل والشرب.

وأخرى يتحقق بالتصرف في العين، ولكن العين لا تتلف ولا تزول بل تبقى، كآلات العمل مثل: آلات النجارة والخياطة وغيرهما.

والأعيان في هذا القسم (أي التي لا تزول بسبب التصرف فيها) أيضاً تنقسم إلى قسمين:

تارة تكون حاجة الإنسان إليها حاجة مستمرة تستمر طوال الحياة،

وأخرى الحاجة إليها هي حاجة دفعية تزول بسبب التصرف فيها مرة واحدة.

بناء على هذه المقدمة التمهيدية يمكن القول بأن المؤونة تتنوع حسب تنوع التمون بها وكيفية الاستفادة منها عيناً أو منفعة، فلا يستبعد القول بأن استثناء المؤونة من وجوب الخمس ليس أمراً واحداً، وعلى نسَقٍ واحد مطلقاً ليكون له حكم واحد، بل يحتاج إلى تأمل أكثر.

بعد هذه المقدمة نلتفت إلى ما قاله السيد الإمام (رض) :

فيقول: "(لو اشترى لمؤونة سنته من أرباحه بعض الأشياء‌ كالحنطة والشعير والدهن والفحم وغير ذلك وزاد منها مقدارٌ في آخر السنة يجب إخراج خمسه قليلا كان أو كثيرا، وأما لو اشترى فرشا أو ظرفا أو فرسا ونحوها مما ينتفع بها مع بقاء عينها فالظاهر عدم وجوب الخمس فيها، إلا إذا خرجت عن مورد الحاجة، فيجب الخمس فيها على الأحوط" [1] .

وقد ظهر من المقدمة التي بيّناها آنفاً أن عبارة السيد الإمام يحتمل فيها أن تكون مشيرة إلى بعض الصور المذكورة في المقدمة.

فللمسألة صور ثلاث:

الأولى: أن تكون العين المشتراة مما تصرف في المؤونة، وتزول بمجرد التصرف يعني أن العين بنفسها هي مؤونة. مثل: الحنطة والشعير والفحم ونحوها.

الثانية: أن لا تكون العين مؤونة، بل الانتفاع بها مؤونة مع فرض بقاء العين، وذلك مثل ما ذكره السيد الإمام من الأواني، والفرش، والفرس، أو نحوها مثل اللباس والكتب، وغيرها.

و هذه الصورة تنقسم إلى قسمين يدوران مدار بقاء الحاجة إلى العين وزوال الحاجة إليها، أي بعد فرض بقاء العين في الأواني والفرس وغيرهما، فهل تبقى الحاجة إليها أو تزول بالتصرف فيها مرة واحدة؟

الأول: بقاء الحاجة للعين حتى في السنوات اللاحقة.

الثاني: عدم بقاء الحاجة للعين في السنوات اللاحقة أو حتى في نفس سنة التمون.

أما الصورة الأولى: فهي من الواضح أن ما زاد عن مؤونة السنة ففيها الخمس بلا شك وترديد، وبلا فرق بين أن يكون ما بقي قليلاً أو كثيراً، كما قاله السيد الحكيم في المستمسك في تعليقته على المسألة ٦٧ "بلا خلاف ظاهر. لعدم كونه من المؤنة"[2] .

وأما الصورة الثانية: مع بقاء الحاجة للعين فيقول السيد الإمام بعدم وجوب الخمس. لأن الحاجة مستمرة وباقية وبالتالي يصدق عنوان المؤونة ولا بد من أن تستثنى.

والصورة الثالثة: هو خروج العين عن حاجة الإنسان فيقول السيد الإمام بالاحتياط الوجوبي في تعلق الخمس.

هذا هو تحليل المسألة حسب رأي السيد الامام.

وأما سائر الفقهاء فقد تعرضوا للمسألة أيضا كصاحب العروة وغيره من المتأخرين والمعاصرين، وفي الصورة الأولى وافقوا رأي الإمام، وأما بالنسبة إلى الصورة الثانية والثالثة فيوجد خلاف بينهم.

وقد تعرض السيد اليزدي في العروة الوثقى للمسألة كما تعرض لها السيد الإمام وزاد في ذيلها فرعاً آخر وصورة أخرى وقال:

"لو زاد ما اشتراه وادّخره للمؤونة، من مثل الحنطة والشعیر والفحم ونحوها، مما یصرف عینه یجب إخراج خمسه عند تمام الحول. وأما ما کان مبناه علی بقاء عینه والانتفاع به- مثل الفرش، والأواني، والألبسة والعبد والفرس، والکتب، ونحوها- فالأقوی عدم الخمس فیها. نعم لو فرض الاستغناء عنها فالأحوط إخراج الخمس عنها وکذا في حلي النسوان إذا جاز وقت لبسهنّ لها"ئ.[3]

ومن الواضح أن ما زاده السيد اليزدي على ما ذكره الإمام هو الاحتياط في وجوب خمس حلي النسوان إذا جاز وقت لبسهن لها.

والمحقق النراقي في المستند أيضاً استظهر عدم الخمس وقال:

"لو بقيت عين من أعيان مؤونته حتى تمَّ الحول ـ كأن يشتري دابّة أو عبداً أو داراً أو أثاث الدار أو لباساً أو نحوها ـ فهل يجب الخمس فيها بعد تمام الحول ، أو لا؟

الظاهر : لا، كما صرّح به بعض فضلاء معاصرينا أيضاً، إذ لم يكن الخمس فيها واجبا ، فيستصحب"[4] .

ولصاحب الجواهر عبارة يستفاد منها أمران: الأول وجود القول بوجوب الخمس في هذه الصورة يعني بقاء العين. والثاني ميله إلى وجوب الخمس فيها.

و إليكم نص عبارته:

يقول: "(نعم قد يقال إن ظاهر تقييد المؤونة في السنة يقتضي وجوب إخراج خمس ما زاد منها عليها، من غير فرق بين المأكل وغيره من ملبس أو فرش أو أواني أو غير ذلك ....لإطلاق أدلة الخمس المقتصر في تقييدها على المتيقن ، وهو مؤونة السنة ، والله العالم"[5] .

بناء على ما ذكرناه في بيان الأقوال في المسألة:

القول الأوّل: عبارة عن القول بالتفصيل كما ذهب إليه صاحب العروة والسيد الإمام وغيرهما من المعاصرين بين ما إذا كانت العين باقية على مؤونة السنة وبقاء الحاجة إليها بعد تمام الحول وبين ما إذا خرج عن مؤنته واستغنى عنه، فالأول لا يجب فيه الخمس وأما الثاني ففيه الاحتياط بوجوب إخراج خمسه.

القول الثاني: عبارة عن وجوب الخمس في الصورتين وقد مال إليه صاحب الجواهر (قدس سره) كما بيناه آنفا.

وهناك قول ثالث وهو عبارة عن القول بعدم وجوب الخمس مطلقا سواء استغنى عنها أم لم يستغنِ عنها، وهذا القول قد ذهب اليه السيد الخوئي (قدس سره) حيث قال: "الظاهر عدم وجوب الخمس من غير فرق بين صورتي الاستغناء وعدمه"[6] .

هذا تمام البحث في ذكر الأقوال في المسألة.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo