< فهرست دروس

الأستاذ السيد ابوالفضل الطباطبائي

بحث الفقه

41/10/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: خروج العين عن حاجة الإنسان ومؤونة السنة:

الفرع الثالث: وهو خروج العين عن حاجة الإنسان وعن مؤونة السنة، ففي هذا الفرع قال السيد الإمام بالاحتياط الوجوبي في تعلق الخمس.

أما الدليل على ذلك فيمكن القول بأن المعيار في ذلك هو كيفية الاستظهار من دليل الخمس بعد المؤونة، فلو قلنا بأن الظاهر في تحقق الخمس بعد المؤونة هو صدق العنوان عليه في مقام الحدوث، لا في مقام البقاء، فلا يجب الخمس فيه، لأن العنوان (أي المؤونة) صادق في مقام الحدوث، وإذا صدق عليه العنوان لا يحتاج إلى صدقه في مقام البقاء.

وفي ما نحن فيه العنوان صادق عليه وإن خرج عن الحاجة وعن مؤونة سنته مع بقاء العين، وخروج العين عن الحاجة لا يضر بصدق العنوان عليها، لأنه لا يشترط صدق العنوان بقاء بل يكفي حدوثا فقط.

و أما الاستظهار الثاني وهو إطلاق الدليل في (الخمس بعد المؤونة) ويشمل جميع أطراف الشمول، يعني يشمل صدق العنوان حدوثاً وبقاء، ولا يجوز لأحد أن يكتفي بصدقه حدوثاً فقط، وخروج العين عن الحاجة مع بقاء العين في الحقيقة يخرج العين عن دائرة صدق العنوان بقاء وهو يضر به.

وقد استدل بهذين الاستظهارين للقول بوجوب الخمس، وعدم وجوب الخمس فيما نحن فيه.

ولكننا نقول: بأن الاستدلال الدقيق عبارة عن التوجه والالتفات إلى كيفية اعتبار صدق العنوان وهنا يُحتمل وجهان:

الأول: أن يكون عنوان المؤونة هو مجرّد الحكمة، فيكفي انطباق وجود المؤونة وصدقها ولو آناً ما، وفي مرحلة الحدوث، وهذا يكفي في مقام الاستثناء.

الثاني: أن يكون العنوان هو العلة التامة، لا مجرد الحكمة، وبناء عليه يدور الاستثناء مدار الانطباق الكامل حدوثاً وبقاء، وجوداً وعدماً.

بعد الالتفات إلى هذه النقطة في مقام الاستدلال يلزم القول بأنه على الأول (أي على وجه الحكمة) لا أثر للاستغناء وخروج العين عن الحاجة، ولا يضر بتعلق الخمس فيها، لأنّه انطبق عنوان المؤونة عليها ولو في زمان يسير، وبالتالي انطباق العنوان ولو آناً ما يخرجها عن أدلة وجوب الخمس بشكل مؤبّد، وتندرج في مقام الاستثناء.

وأما على الثاني يعني على وجه العلة التامة فإن الاستغناء وخروج العين عن الحاجة يوثر في الحكم، وفي وجوب الخمس فيها، لأنّ المفروض أن انطباق المؤونة وصدق العنوان علة للاستثناء، وليس حكمة له، فلابد من صدقه حدوثاً وبقاء.

و من الواضح أن وجود المعلول يحتاج إلى علة محدثة ومبقية.

و في فرض الشك في وجه اعتبار صدق العنوان، أي إذا شككنا في كيفية اعتبار صدق العنوان فالمرجع هنا الرجوع إلى أدلة وجوب الخمس، لأن استثناء مؤونة السنة عن وجوب الخمس يستلزم إجراء صدق العنوان، وفي فرض الشك لابد من الرجوع الى أدلة وجوب الخمس مطلقاً.

وأيضاً هنا لابد من التفات آخر وهو الالتفات إلى نوع خروج العين من الحاجة، فهل الخروج عبارة عن الخروج الأبدي، أم الخروج المؤقت؟

وإذا قلنا بأن خروج العين عن الحاجة يضر بصدق العنوان ويغير الحكم في تعلق الخمس فهل هو الخروج المؤقت أم الخروج الدائم؟

و أيضاً لابد من الالتفات إلى أن خروج العين عن الحاجة والاستغناء عنها إما في أثناء السنة أو بعد تمام السنة، أو في السنين اللاحقة، و بعبارة أخرى هل الاستغناء في أثناء السنة أو يستغني عنها في السنين اللاحقة؟

قد أشار إلى ذلك إشارة عابرة السيد الحكيم في الحاشية على العروة الوثقى، وفي الحقيقة قد فصل تفصيلا آخر غير تفصيل السيد الإمام والسيد اليزدي حينما قال:

"الأقوى عدمه، نعم إذا كان الاستغناء في أثناء السنة وجب إخراج خمسها إلّا إذا كان من شأنها ادّخارها للسنين الآتية كالملابس الصيفية والشتائية والأواني المعدّة للطبخ في أيّام مخصوصة فلا يجب إخراج خمسها وإن لم يحتج إليها في سنة الربح"[1] .

إن السيد الحكيم أشار إلى خروج مؤقت، وخروج دائم، مثلاً خرجت الملابس الصيفية عن الحاجة خروجاً مؤقتاً، إذ أنه بعد فترة سيحتاج إليها، وكذلك سائر الموارد، وهذا لا يضر بصدق العنوان، لأن عنوان المؤونة صادق بالنسبة إلى الملابس الصيفية أو الشتوية حتى في خارج أحد الفصول الأربعة.

لأن العرف لا يحكم بخروجها عن المؤونة، بل يرى أنّ من شأن هذه الملابس ادخارها للسنوات اللاحقة.

وهنا أيضاً نقطة فقهية أخرى، لابد من الالتفات إليها في مقام الاستدلال والاستنباط، وهي الفرق بين خروج العين عن الحاجة وبين خروج العين عن الاستعمال.

فمن الواضح أن الحاجة أمر، والاستعمال أمر آخر مختلف عنها، وإن اجتمعا في بعض الموارد، ولكن من باب تطبيق المفهومين على مصداق واحد، وليس من باب اتحاد المفاهيم.

لذلك في بعض الموارد إن الإنسان مع فرض حاجته إلى العين لا يستعملها لأجل الظروف الخاصة، ولكنه في بعض الموارد الأخرى لا يحتاجها.

ففي صدق عنوان المؤونة وجواز استثنائها عن وجوب الخمس، هل يعتبر الاستعمال أو تعتبر الحاجة؟

لاشك في أن المعتبر هو الثاني أي الحاجة.

وفي مصاديق الملابس الصيفية أو الشتوية يتحقق عدم الاستعمال، لا عدم الحاجة.

لأن الإنسان في فصل الشتاء أيضاً يحتاج الملابس الصيفية، ولكنه لا يستعملها في نفس الفصل، بل يدخرها للفصل القادم.

كما أن صاحب البيت الواسع الذي تزوج أولاده وتركوا بيت والدهم، وتركوا غرفتهم في بيت والدهم، فالوالدان وإن كانا لا يستعملان الغرفة الخاصة بالأولاد، لكنه يحتاجانها عندما يأتي الأولاد لزيارتهما.

فاتضح هنا أيضا الفرق بين عدم الاستعمال وعدم الحاجة.

و كذلك مثل الكتب التي يشتريها الطالب أو العالم ليقرأها ولكن لا يستطيع قراءة جميع المجلدات حتى نهاية السنة، ولكنه يحتاج إليها جميعا وإن لم يستعملها طيلة السنة.

لذلك كل ثمن البيت مؤونة للوالد وكل ثمن الكتاب واللباس مؤونة ويصدق عليه العنوان.

و يؤيده أن الفقهاء لم يوجبوا الخمس فيما لم يستعمل من المؤونة حتى في سنة الربح، لأن المناط في المؤونة المستثناة ليس هو خصوص ثمن المستعمل فقط، بل المناط ما يُحتاج الى الصرف فيه وإن لم يستعمل بعضه.

و أيضاً لابد من الالتفات إلى إمكان التجزئة في العين المشتراة لمؤونة سنته ثم الزيادة بعد تمام الحول، وعدم إمكان التجزئة فيها.

مثلا في بعض الموارد يمكن للإنسان أن يشتري المجلدات التي يحتاجها فقط من موسوعة الكتب ، ولكن في بعض الموارد الأخرى وإن كان الإنسان ليس بحاجة لجميع مجلدات الكتب، ولكنه لا يمكن شراء بعضها دون باقي المجلدات.

فشراء دورة كاملة مع فرض عدم الحجة إلى بعضها يوجب تعلق الخمس ببعضها الآخر أم لا؟

لذلك مسألة بقاء العين وخروجها عن الحاجة ليست مسألة بسيطة، بل لابد من تأمل الفقيه فيها، كي يكون استنباطه صحيحاً.

 


BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo