< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/03/18

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: عصير التمر المغلي

وأيضاً الأقوى طهارة عصير التمر المغلي .
وقد يستدلّ على نجاسته :
1 ـ بما رواه في التهذيب أيضاً بنفس السند السابق ـ أي بإسناده عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن عن عمرو بن سعيد عن مصدق عن عمار ـ عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سألته عن النضوح[1] ؟ قال : (يطبخ التمر حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ثم يمتشطن ) موثّقة السند . أقول : لم أعرف ما هو الربط بين النضوح ـ الذي هو عطر ـ والتمر المغلي بالماء ! هل مقصودُ الإمام (عليه السلام) أنّ التمر المغلي بالماء الذي يذهب ثلثاه هو نضوح، وهو جيّد للإمتشاط به ؟ ثم لماذا قال الإمام ( حتى يذهب ثلثاه .. ) هل لنجاسة التمر المغلي بالماء قبل ذهاب ثُلُثَيْهِ ؟ فإن كان كذلك فكيف وردت روايات بطهارته ؟! ويكفينا أنّ هذه الرواية لم تصرّح بالنجاسة.
على أنه قال لي الآن أحدُ الأطبّاء بأنّ "غليان التمر بالماء حتى يغلظ هو لتقوية الشعر ولتجديد الخلايا"، إذن ـ بناءً على هذا ـ لا يرتبط الأمرُ بالنجاسة أصلاً، ولعلّ هذا قريبٌ ممّا ورد في كتاب الحجّ من أنّ بعضهم كان يلبّد شعره بالعسل أو بالصمغ[2] [3]، أقول : وقال لي الآن طبيب آخر بأنّ العسل يقوّي بَصْلَةَ الشعر فإنّ فيه 23 نوعاً من الفيتامينات ويغذّيه ويعطيه بريقاً جيداً ..
2 ـ وروى علي بن جعفر في كتابه عن أخيه قال : سألته عن النضوح يُجعل فيه النبيذ أيصلح للمرأة أن تصلِّيَ وهو على رأسها ؟ قال : ( لا، حتى تغتسل منه )[4]، ورواه الحِمْيَري في قرب الإسناد عن عبد الله بن الحسن عن علي بن جعفر .
وهنا أيضاً، لماذا يَنهى الإمامُ (عليه السلام) عن أن تصلّي المرأةُ بالنضوح الذي يجعل فيه النبيذ ؟ فإن كان لنجاسته، فقد وردت روايات بطهارة النبيذ، إذَنْ لا بدّ من القول بكراهية الصلاة بالنبيذ وذلك لعدّة أسباب :
1 ـ منها صراحةُ الروايات السابقة بطهارة النبيذ وكراهية الصلاة فيه، راجع مثلاً موثّقة عبد الله بن بكير السابقة قال : سأل رجلٌ أبا عبد الله (عليه السلام) ـ وأنا عنده ـ عن المسكر والنبيذ يصيب الثوب ؟ قال : ( لا بأس )، ومثلها صحيحة علي بن رئاب السابقة قال : سألت أبا عبد الله (عليه السلام) عن الخمر والنبيذ المسكر يصيب ثوبي أغسله أو أصلّي فيه ؟ قال : ( صَلِّ فيه، إلاّ أن تَقذَّره فتغسل منه موضع الأثر، إنّ الله تعالى إنما حرّم شربها ) .
إذن بمقتضى الجمع بين الروايات لا بدّ من حمل الطائفة الاُولى من الروايات على التقذّر .
2 ـ ومنها ما رواه في التهذيب بإسناده الصحيح عن محمد بن أحمد بن يحيى عن العباس بن معروف عن سعدان بن مسلم (كبير القدر جليل المنزلة له أصل) عن علي الواسطي (مهمل) قال : دخلت الجويرية ـ وكانت تحت عيسى بن موسى ـ على أبي عبد الله (عليه السلام) وكانت صالحة، فقالت : إني أتطيَّبُ لزوجي فيُجعل في المشطة التي امتشط بها الخمر وأجعله في رأسي ؟ قال : (لا بأس) ضعيفة السند .
3 ـ قال لي طبيبان الآن إنّهم كانوا يستعملون النبيذ والخمرَ في شعورهم لأنّ ذلك يقتل القمّل ويطهّر الشعر والرأس من القمّل والجراثيم، وذلك لوجود مادّة الكحول ـ أي الألكول بتعبيرهم ـ فيهما، وقد قلنا سابقاً باستفاضة الروايات بطهارة الكحول .
إذن يجب أن نقول بطهارة النبيذ والتمر المغلي بالماء، ولكن تكرهُ الصلاةُ فيه .

وأمّا حرمته فإن بلغ حدّ الإسكار فلا شكّ في حرمته لكثرة الروايات في أنّ ( كلّ مسكر حرام ) بل هذا من ضروريات المذهب أو الدين .
أمّا إنْ لم يبلغ حدّ الإسكار فالأقوى عدمُ حرمته، وذلك أيضاً لعدم الدليل على حرمته .
وقد يُستدَلّ على حرمته حتى قبل أن يبلغ حدّ الإسكار :
1 ـ بما رواه في التهذيب بإسناده الصحيح عن محمد بن أحمد بن يحيى عن أحمد بن الحسن بن علي بن فضّال عن عمرو بن سعيد الساباطي عن مصدّق بن صدقة المدايني عن عمّار بن موسى الساباطي عن أبي عبد الله(عليه السلام) ـ في حديث ـ أنه سئل عن النضوح المُعَتَّق، كيف يُصنع به حتى يَحِلُّ ؟ قال : ( خذ ماء التمر فاغْلِهِ حتى يذهب ثلثا ماء التمر )[5] موثّقة السند . والظاهر جدّاً ـ بقرينة سائر الروايات وكلمات الفقهاء ـ أنّ المراد من النضوح المعتّق هو المسكر، أو الشديد الإسكار، ولذلك فهذه الرواية لا تفيدنا في حرمة التمر المغلي بالماء ما لم يصل إلى حدّ الإسكار .
2 ـ وقد يستدلّ على حرمته بإطلاق كلمة ( عصير) في صحيحة ابن سنان السابقة (كل عصير أصابته النار فهو حرام حتى يذهب ثلثاه ويبقى ثلثه ) بادّعاء شموله للتمر المغلي بالماء !!
وهذا غير صحيح، فإنّ المنصرَفَ إليه من هذه النصوص هو العصير العِنَبي لا عصير الليمون والشمندر والجزر مثلاً !
وعليه فيجب أن نرجع في حالة عدم الإسكار إلى أصالة الحلّ وقاعدتها بلا شكّ، ولا سيّما لما ورد من أنّ المناط في تحريم النبيذ هو الإسكار وليس الغليان،


[1] قال في لسان العرب : "النَضُوح ضَرْبٌ مِنَ الطِيب تفوح رائحته، وقد انْتَضَحَ به، وأصلُ النضح الرشّ، يقولون نَضَحَ عليه الماءَ يَنْضَحُهُ نَضْحاً إذا ضربه بشيء فأصابه منه رشاش، وأيضاً النضح هو الرشح، فشبّه كثرةُ ما يفوح من طيبه بالرشح" .
[2] قال ابن إدريس الحلي في السرائر، قال : "باب الحلق والتقصير : يستحب للإنسان أن يحلق رأسه بعد الذبح، وهو مخير بين الحلق والتقصير، سواء كان صرورة أو لم يكن، لبد شعره أو لم يلبده، وتلبيد الشعر في الإحرام أن يأخذ عسلاً أو صمغاً ويجعله في رأسه لئلا يقمل أو يتسخ . قد يلاحظ عليّ من كثرة استشهادي بأقوال الأطبّاء، فأقول هذا بسبب أنّ مكتبي الذي أكتب فيه هو في مبنى أكثرُه أطبّاء من كافّة الإختصاصات . .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo