< قائمة الدروس

بحوث خارج الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

35/05/29

بسم الله الرحمن الرحیم

العنوان: حكم تنجيس المشاهد المشرّفة ودخول الجنب والحائض إليها

مسألة 20 :المشاهد المشرَّفَةُ للمعصومين عليهم السلام ومقامات أولياء الله تعالى ـ كمقام السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام)في قُم ـ والمشاهد المقدّسة في دِين الله ـ كالصفا والمروة ـ بحكم المساجد في حرمة التنجيس ووجوب إزالة النجاسة عنها على الأحوط وجوباً، وذلك لأنها صارت مراكز لعبادة الله جلّ وعلا، نعم يجوز دخول الجنب والحائض إليها، لكن ذلك لا يَحْسُنُ لأنها ـ كما قلنا ـ صارت مراكز لعبادة الله سبحانه وتعالى، ولأنّ الملائكة تنفر من الحائض والجنب.

لا شكّ في حرمة إهانة المعصومين عليهم صلوات الله وسلامه، بل يجب تعظيمهم، فإنه من تعظيم شعائر الله، لأنهم خلفاء الله ومظاهر أسماء الله وصفاته ... وبالتالي يحرم إهانة أيّ شيء ينسب إليهم كتعمّد تنجيس مقاماتهم المباركة، يقول الله تعالى[ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ ][1].
هذا المقدار هو القدر المتيقّن عند المتشرّعة المؤمنين، وليس محلّ الكلام فيه، إنما الكلام في وجوب تطهير النجاسات ووجوب إزالتها من مشاهدهم المشرّفة وحرمة دخول الجنب والحائض إليها فأقول :
1 ً ـ لا شكّ في جواز دخول الحائض والجنب إلى المشاهد المشرّفة بالعنوان الأوّلي، فإنّ عيالهم عليهم السلام كانوا يُجنبون ويَحيضون، لكن حينما تحوّلت قبورهم إلى أماكن لعبادة الله سبحانه وتعالى صار لقبورهم عنوان آخر، وهو عنوان مراكز لعبادة الله وتبجيله وتعظيمه، بل لا يبعد أن مقاماتهم الشريفة لا تنزل عن مقام مساجد الله تعالى، ولمجموع ما ذكرنا يصير صعباً على الفقيه أن يُفتي بجواز دخول الجنب والحائض إليها، إلاّ أن يحتاط في ذلك وجوباً أو استحباباً أو أن يفتي بجواز ذلك على كراهة، وذلك احتراماً لصاحب المقام الشريف الذي هو من أكمل خلفاء الله في الأرضين .
ولا بأس ـ لإثبات بعض ما ذكرناه ـ مِن ذِكْرِ بعضِ الروايات :
ـ فقد روى سعيد بن هبة الله الراوندي(الشيخ الإمام الفقيه الثقة) في الخرائج والجرائح عن الحسين بن أبي العلا (روى هو واخوته عن أبي عبد الله وكان الحسين أوجههم، وله كتاب يُعَدّ في الأصول، بل له كتب، روى عنه ابن أبي عمير وصفوان وروى عنه في الفقيه مباشرةً، إذن هو موثّق عندي) قال : دخل على أبى عبد الله (عليه السلام) رجلٌ من أهل خراسان فقال : إن فلان ابن فلان بعث معي بجارية وأمرني أن أدفعها إليك، قال : ( لا حاجةَ لي فيها، إنّا أهلُ بيتٍ لا يَدْخُلُ الدَنَسُ بيوتَنا )، قال : لقد أخْبَرَني أنها ربيبةُ حِجْرِه، قال : ( لا خَيْرَ فيها، فإنها قد اُفْسِدَتْ )، قال : لا عِلْمَ لي بهذا، قال : ( اَعلمُ أنه كذا )[2] مرسلة السند، لكن الراوندي رواها من كتابه على حسب الظاهر ممّا يجعلنا نظنّ بصدورها حقّاً .
ورواها في الخرائج أيضاً عن أبي عبد الله (عليه السلام) أنه دخل عليه رجلٌ من خراسان فقال (عليه السلام) له : ( ما فَعَلَ فلانٌ ؟ ) قال : لا عِلْمَ لي به، قال : ( أنا اُخْبِرُكَ بِه، بَعَثَ معك بجارية، لا حاجة لي فيها )، قال : ولِمَ ؟ قال : ( لأنك لم تراقبِ اللهَ فيها حيث عَمِلْتَ ما عَمِلْتَ ليلةَ نهرِ بلخ )، فسكت الرجلُ وعَلِمَ أنه أعلم بأمر عرفه[3] .
ـ وفي الكافي عن محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد بن خالد عن محمد بن القاسم عن الحسين بن أبي العلاء عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : ( يا حسين، بيوتُنا مهبَطُ الملائكة ومنزل الوحي )، وضرب بيده إلى مساور في البيت فقال : ( يا حسين، مساورُ ـ واللهِ ـ طالما اتكت عليها الملائكةُ، وربما التقطنا من زغبها )[4] مصحّحة السند عندي .
ورواها محمد بن الحسن بن فروخ في بصائر الدرجات قال : حدثنا أحمد بن محمد بن عيسى عن محمد البرقي عن محمد بن القسم عن الحسين أبى العلا عن أبي عبد الله عليه السلام ... وذَكَرَ الحديث .
يقوى جداً أنّ محمد بن القاسم هذا هو ابن الفضيل الذي هو من طبقة الإمام الرضا (عليه السلام)، فإنّ ابن الفضيل (الثقة) له كتاب يرويه عنه أبو عبد الله البرقي (أي محمد بن خالد البرقي) . وقد يُقال لـ محمد بن القاسم بن الفضيل : محمد بن الفضيل، إختصاراً .
على أساس هذه الرواية السالفة الذكر يصير من الصعب حقّاً أن يُفتيَ الفقيهُ بجواز دخول الجنب والحائض إلى مقاماتهم الشريفة على راحته، إلاّ أن يحتاط ـ كما قلنا قبل قليل ـ أو أن يفتي بكراهة ذلك، ولا بدّ له من الإحتياط الوجوبي بلزوم تطهيرها أيضاً . نعم، لا يمكن الإفتاء بضرس قاطع بوجوب تطهيرها، ولكن مع ذلك ينبغي الإحتياط في ذلك لصيرورتها مراكز يعبد الله فيها .
2 ً ـ لا شكّ في أقليّة أهميّة المشاهد المشرّفة للأولياء ـ كمقام السيدة فاطمة المعصومة اُخت الإمام الرضا عليهما السلام ـ من مقامات نفس المعصومين عليهم صلوات الله وسلامه، وأقلّ من ذلك مقامات مسلم بن عقيل وهاني بن عروة والحرّ بن يزيد الرياحي وسائر الأولياء والشهداء، وإن كان ينبغي احترامهم وتبجيلهم، ولا تجوز إهانة مقاماتهم الشريفة بالنجاسات، أي لا يجوز هتكها ... لكن هذا لا يستلزم وجوب تطهيرها بالعنوان الأوّلي، وإن كان الفقيه لا يفتي إلاّ بما يليق بمقاماتهم الشريفة وبمراكز عبادة الله جلّ وعلا، حتى وإن لم توقف مساجد، يقول الله تعالى[ وَمَن يُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى القُلُوبِ ][5].
لذلك لا يمكن أن يقوم المتشرّعة بتنجيس مقامات أولياء الله التي تحوّلت إلى مراكز لعبادة الله، بل تراهم يطهّرونها قطعاً، حتى ولو رأوا النجاسة على شرفات المقامات فإنهم يطهّرونها لأنها صارت مراكز لعبادة الله سبحانه وتعالى . فعليك أخي العزيز أن تنظر إلى ما يحبّه الله ويرضاه، لا أن تنظر دائماً إلى أصالة البراءة وقاعدتها فتقول الأصل عدم وجوب التطهير، فتهلك الحرث والنسل .
3 ً ـ يمكن أن نقول أيضاً بأنّ الواقف حينما شارك بماله مثلاً في بناء مقام السيدة فاطمة المعصومة (عليها السلام) ـ كَمِثال ـ أو وَقَفَ السجّادة الفلانية مثلاً للسيدة فاطمة المعصومة أو لمقامها إنما دفع المال أو وَقَفَ السجّادةَ ليُعبد الله عليها لا لينجّسها الناس، فهي إمّا ملك للسيدة فاطمة المعصومة فلا يجوز تنجيسها لأنها ملكها، وإمّا أنها وقْفٌ لنفس المقام وح فإمّا أنها صارت ملكاً لله تعالى فلا يجوز تنجيسها لأنها أيضاً ملكاً للغير، وهذا الغير هو ربّ الأرباب وهو قطعاً لا يرضى بتنجيس مراكز عبادته، وإمّا أنها صارت للمسلمين جميعاً، وهم قطعاً لا يرضَون ببقائها متنجّسة . وعليه فإذا نجّسها شخص، ولو بغير قصد، فإنّ عليه أن يطهّرها قطعاً، لأنها بمثابة الضمان تماماً، وقد استدللنا على ذلك قبل عدّة أوراق في مسألة 12 .
ثم إنّ دليلنا على كراهة دخول الحائض والجنب إلى المشاهد المشرّفة هو تأذّي الملائكة بوجودهما فيها فتخرج، فقد روى في الكافي عن علي بن إبراهيم عن أبيه، وعن عدة من أصحابنا عن سهل بن زياد جميعاً عن ابن محبوب عن علي بن أبي حمزة قال قلت لأبي الحسن (عليه السلام) : المرأة تقعد عند رأس المريض وهي حائض في حد الموت ؟ فقال : ( لا بأس أن تُمَرِّضَه، فإذا خافوا عليه وقَرُبَ ذلك فلْتَنَحَّ عنه وعن قُرْبِه، فإنّ الملائكةَ تتأذَّى بذلك )[6] .
وروى الشيخ الصدوق محمد بن علي بن الحسين في ( العلل ) عن أبيه بإسناد متصل يرفعه إلى الصادق(عليه السلام)أنه قال : ( لا تحضر الحائضُ والجنُبُ عند التلْقين، لأنّ الملائكة تتأذى بهما )[7] .
وأيضاً في ( العلل ) عن علي بن حاتم عن القاسم بن محمد عن إبراهيم بن مخلد عن إبراهيم بن محمد بن بشير، وعن محمد بن سنان عن أبي عبد الله القزويني قال : سألت أبا جعفر محمد بن عليّ (عليهما السلام) عن غسل الميت لأيّ عِلَّةٍ يُغَسَّلُ ؟ ولأيّ عِلَّةٍ يَغتسل الغاسِلُ ؟ قال : ( يُغَسَّلُ الميِّتُ لأنه جنب، ولِتُلاقيه الملائكةُ وهو طاهر، وكذلك الغاسِلُ ليلاقِيَهُ المؤمنين (المؤمنون ـ ظ) )[8] .
لذلك الظاهر كراهة دخول الجنب والحائض إلى المشاهد المشرّفة، وإن كان هذا جائزاً بلا شكّ .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo