< قائمة الدروس

بحوث الفقه

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

37/05/15

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : يجوز الوضوء والشرب من قنوات المياه المتفرّعة .
مسألة 7 : يجوز الوضوء والشرب من قنوات المياه المتفرّعة من الأنهار حتى وإن لم يُعلم برضا المالكين وذلك لسيرةِ المتشرّعةِ على ذلك، وكذلك الأراضي الوسيعة، فإنه يجوز الوضوء فيها والجلوس والنوم ونحوُ ذلك1، ويجب الإقتصارُ في ذلك على القدر المعلوم من سيرتهم الكاشفة عن رضا المعصومين (عليهم السلام)، ولذلك يُشكَلُ الجوازُ مع نهْيِ أصحاب الأرض والقنوات، خاصّةً إذا كان النهي متوجّهاً لغاصب القناة والأرض . ومع الشكّ في جواز التصرّف ـ في بعض الحالات ـ فإنْ عُلِمَ رضا اللهِ عزّ وجلّ بالتصرّف ـ كما إذا كان التصرّف لازماً وضرورياً وخلافُه مُضِرّاً وحرِجاً ـ جاز التصرّفُ بمقدار العِلْم، وما عدا ذلك يجب الرجوعُ إلى قاعدة ( لا يحل دم امرِئٍ مسلم ولا مالُه إلا بطيـبةِ نفْسٍ منه ) فلا يجوز التصرّفُ إلاّ بإذنهم ورضاهم .
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1 للسيرة القطعيّة على ذلك، سواءً من المتشرّعة أو من كلّ العقلاء، سواءً كانت قناة مياه أو أرض وسيعة جدّاً غير مسيّجة وغير مزروعة، ومع عدم إتلاف شيء من الزرع ومع عدم الإضرار، وبما أنّه لم يرد دليل لفظي واضح في ذلك فإنه يجب الإقتصار في ذلك على القدر المعلوم من إمضاء المعصومين (عليهم السلام)وبعدم الوقوع في الحرج، ومن القدر المتيقّن هو العبادة كالوضوء والصلاة فيها، وعدم كون المتصرّف هو الغاصب، والقدر المشكوك يُرجع فيه إلى أصالة عدم جواز التصرّف بمال الغَير .
وهنا ملاحظة وهي : عندنا عموم يقول ( لا يحل دم امرِئٍ مسلم ولا مالُه إلا بطيـبةِ نفْسٍ منه )[1] ـ وهي موثّقة سَماعة السابقة ـ و ( لا يَحِلُّ لأحَدٍ أن يتصرف في مال غيره إلا بإذنه )[2] ـ وهي مصحّحة محمد بن عثمان العَمْري السابقة ـ وغيرها، لكنْ ثبت عدمُ إعطاءِ المسلمِ كاملَ الحقّ في التصرّف بمالِه، كما في إتلافه والإسراف والتبذير وعدم التخميس .
والسؤال هو : ما هي حدودُ حقوقِ الملاّك بأملاكهم التي سلّطهم المولى عليها ؟ وبتعبيرٍ آخر : إذا كان بين بيوت بعض الناس والشارع العام ـ القريب من البيتِ ـ بستانٌ كبير مثلاً، فهل يحقّ لصاحب البستان أن يمنع الناسَ من دخول بستانه الكبير جداً إن أوقع الناسَ في الحرج الشديد، وصار من اللازم على الناس أن يدوروا مسافةً طويلةً محرجة ليصلوا إلى الشارع العام القريب ؟ وخاصّةً إذا كان هذا الأمرُ محلّ ابتلاء دائم للناس ؟!
الجواب : هذا البستان، وكلّ الدنيا هي ملكُ اللهِ جلّ وعلا، فإذا عَلِمْنا برضا الله فإنه يجوز الدخول إلى البستان، ولكن من الطبيعي مع مراعاة عدم الإضرار بمالك البستان، ونحن حينما نقول (يجب الإستئذانُ من المالك) فنحن لا نقصد أنّ إذنَه مُقَدَّمٌ على إذن الله جلّ وعلا، نعوذ بالله من التَّفَوُّهِ بذلك، فالمناطُ هو معرفةُ رضا الله سبحانه وتعالى، والعملُ على أساس مرضاة الله، واللهُ لا يعطي الحقَّ لأحد من الناس، لا في أرض، ولا بغير أرض، إذا كان ذلك التسلّطُ مضرّاً بالناس، ولذلك يجوز بل قد يجب على الوليّ الفقيه أن يجعل طريقاً في البستان المذكور تسهيلاً على الناس، ورفْعاً للضرر والحرج، حتى ولو كان صاحبُ البستان غيرَ راضٍ أصلاً . لذلك يقول علماؤنا بأنه يجوز للوليّ الفقيه ( إذا حكم بحكمنا ) ـ كما في مصحّحة عمر بن حنظلة المشهورة ـ أن يتسلّط على أموال الناس، بأن يأخذ منهم الضرائبَ مثلاً، ويهدِمَ بيوتَهم وغير ذلك، إن وَجَدَ مرضاةَ اللهِ في ذلك، كما لو وقعت بيوتهم وسطَ الطرقاتِ العامّة، ويدفع لهم قيمة بيوتهم لكي لا يضرّهم ... وبتعبير مقبولة عمر بن حنظلة السالفة الذكر ( إذا حَكَمَ بحُكْمِنا ) أي بِحُكْمِ أهلِ بيت العصمة والطهارة . وإنما أعطى اللهُ تعالى الناسَ الحقَّ بالتملّك ـ الإعتباري ـ لاستلزام النظام البشري لذلك . على أنك تعرف أنّ ملك الناس، حتى مُلْكُ رسولِ الله (ص) الذي هو خيرُ خلق الله على الإطلاق، مُلْكُه للدنيا هو مُلْكٌ اعتباري . ولذلك فنحن لا نرى مانعاً من دخول أحدِ الأئمّة iأرضَ فلانٍ ـ كما وَرَدَ في رواية ـ مع نَهْيِه الصريح للإمام (عليه السلام) وأعطاه الإمامُ الضررَ الحاصلَ وأكثر، لأنه كان يَعلم برضا الله سبحانه وتعالى . ومن هنا تعرف معنى الروايات المستفيضة الواردة في كتاب الخُمس القائلة بأنّ الدنيا وما فيها هي ملك أهل بيت النبوّة (عليهم السلام) . المهمّ هو أنه مع عِلْمنا برضا الله ـ مالكِ الملك ـ بالتصرّف لا يعود يُنظَر إلى نَهْيِ المالكِ الإعتباري، وذلك لعدم وجود قيمة لإذنه ح . نعم، مع الشكّ في الإذن الربّاني بالتصرّف يجب الرجوع إلى عموم ( لا يَحِلُّ دمُ امرِئٍ مسلِمٍ ولا مالُه إلا بطيـبةِ نفْسٍ منه ) . وبما أنّ هذه المسألة خطيرةٌ ـ لإمكان ادّعاء كلّ أحد بمرضاة الله في التصرّف بملك غيره ـ يجب الرجوعُ عقلاً إلى الحاكم الشرعي ليَعْرُضَ عليه الأمْرَ وليستأذنَه، كي لا يختلّ النظام العامّ ولأنّ كلّ إنسان ينظر عادةً من منظار مصلحته الخاصّة التي قد توقع الكثيرَ من الناس بعدم رؤية الواقع كما هو .
مسألة 8 : محلّ الوضوء والحمّامات وغيرها الواقعةُ في الوقوفات ـ كالمساجد مثلاً ـ إذا لم يُعلم كيفيّةُ وقْفِها ـ مِنِ اختصاصها بمَن يُصَلّي فيها أو بعدم اختصاصها لهم ـ لا يجوز لغيرهم الإستفادة منها، وذلك لحرمة الوقوفات ولأصالة عدم الإذن، إلاّ مع العِلْم برضا الله جلّ وعلا، لأنه هو صاحب الوقف . وكذلك المؤسّسات الخاصّة ـ كالمدارس الخاصّة والشركات ـ فإنها أموال خاصّة يجب العلم برضا أصحابها بالتصرّف، وكذلك المؤسّسات العامّة التي هي ملك الدولة فهي من الأنفال، فهي بالتالي تحت تصرّف الحاكم الشرعي، فيجب الإستئذان منه، إلاّ إذا عُلِمَ برضا صاحب العصر والزمان r. إذن يجب التأكّد من التصرّف بمال الغَير سواء كان وقفاً أو ملكاً خاصّاً أو ملكاً للإمام عليه سلام الله2 .
2 أمّا في المؤسّسات الخاصّة ـ كالمدارس الخاصّة والخانات ـ فهي ملك الغير، ولا يجوز التصرّف بمال المسلم ومحترمِ المال إلاّ بإذنه . وأمّا في المؤسّسات العامّة التي هي ملك الدولة فإنه يجوز التصرّف الطبيعي ـ أي الغَير مُضِرّ كالتخلّي فيها ـ لأنها ملكُ الإمام الحجّةr فيجوز لشيعته قطعاً، إلاّ إذا كان هناك مانع من جهةٍ اُخرى، كما لو أخلّ ذلك بالنظام العام أو حصل ضرر من التخلّي فيها .
أمّا في الوقوف، فمعلوم أنّ (الوقوف على حَسَبِ ما يَقِفُها أهلُها)، فإن أذِنَ الواقِفُ بذلك التصرّف الفلاني فبها، وإلاّ فلا يجوز، ومع الشكّ في إعطاء إذن لعموم الناس بالإستـفادة فإنْ ظَهَرَ جوازُ ذلك ولو مِن خلال سيرة المتديّنين فبها، وإلاّ فإنه يبقى المالُ على حرمة التصرّف فيه، أو قُلْ لأصالة عدم إعطاء إذن في التصرّف . نعم إلاّ إذا كان المالك قد أباح للعموم بالتصرّف قبل إجراء صيغة الوقف ثم أوقفه، فإنّ لنا أن نجري أصالة عدم المنع ـ عند الوقْفِ ـ عن الإستـفادة الفلانيّة، فنستصحب بقاء جواز التصرّف، وذلك لعدم العلم حين الوقف أنه منع من التخلّي في الحمّامات مثلاً، فإنّ للإنسان أن يُبقِي بعضَ التصرّفات جائزة عند وقْفِ العَين، كأن يقول حين الوقف (وقفت هذا الحمّام مثلاً على الجهة الفلانية ـ كطلاّب العلوم الدينيّة ـ على أن يَبقَى للناس أن يستـفيدوا من مغاسله ومائه ومراحيضه( أو بصيغة )وقفت كذا على كذا دون الأمر الفلاني كالإستـفادة من مائه ومغاسله ومراحيضه، فإنّي اُبقي جوازَ الإستفادة منه لهم) .
سؤال : هل الاصلُ في الوقف هو الوقف على العموم أو الأصل هو الوقف على خصوص جماعة معيّنة ؟ فلو وقف حمّاماً ملاصِقاً لمسجدٍ أو لحوزة دينيّة مثلاً، بحيث شككنا جداً في كون الوقف هو لخصوص المصلّين مثلاً أو لعموم الناس، فما هو الأصل في ذلك ؟
الجواب : قد تقول : الأصلُ هو عدم الوقف على عموم الناس، وقد تقول : الأصلُ هو عدم الوقف على خصوص المصلّين، وهما متعارضان، ولذلك قد تقول لا يوجد أصلٌ واضح في المقام .
فأقول : لا شكّ في أنّ الإنسان حين الوقْفِ هو يوقف العَين بكلّ شؤونها، أي هو يرفع سلطنتَه عنها بالكُليّة، ولا يستـثني أحداً في جواز التصرّف بهذا الموقوف، إلاّ القدر المتيقّن، أي أنّ الأصل هو عدم الإذن لهذه الطائفة المشكوكة، ولذلك يجب التأكّدُ ـ على الأحوط وجوباً ـ في أنه أجاز التصرّفَ لهذه الطائـفة الفلانيّة المشكوكةِ الدخول في الموقوف عليهم، ولذلك يكون المرجعُ هنا هو أصالةُ عدم جواز التصرّف في الوقوفات للطائفة الفلانيّة المشكوكة، أي أنّ الأصل هو حرمة التصرّف بأموال الغَير، أو قُلْ : الأصلُ هو عدم الإذن، والأصل هو حرمة أموال الغَير ... ولعلّ الأمر في بعض موارد الوقوفات سهل، لأنّ الوقف هو لله تعالى فإذا اضطرّ شخصٌ أن يدخل إلى الحمّام مثلاً فهو يعلم برضا الله سبحانه وتعالى، لأنه هو صاحبه الواقعي ولا صاحب للوقف غيره، وإذا كان يريد أن يدخل ليتوضّأ ليكون على طهارة فالله يحب ذلك، فالمرجعُ رضاه .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo