< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/02/30

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : دَلالة حديث الرفع على البراءة

1 ـ حديث الرفع : فقد روى الشيخ الصدوق في التوحيد والخصال عن أحمد بن محمد بن يحيى عن سعد بن عبد الله عن يعقوب بن يزيد عن حماد بن عيسى عن حريز بن عبد الله عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : قال رسول الله (ص) : (رُفِعَ عن أمتي تسعةُ أشياء : الخطأ والنسيان وما اُكرِهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطُّروا إليه والحسد والطِيَرَة والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطقوا بشفة )[1]، ويقع الكلام فيه في عدّة نقاط :
أ ) في سنده : لا شكّ أنه صحيح السند، إذ لا كلامَ ولا شكّ في وثاقة واحدٍ منهم إلاّ في أحمد بن محمد بن يحيى العطّار القمّي الذي لم يوثّقه أصحابُ الرجال القدماء، إلاّ أنه وثّقه العلاّمةُ الحلّي والشهيد الثاني والسماهيجي والبهائي وصاحب المنتقى والمحقّق المامقاني، وهو الحقّ، فهو من مشايخ الصدوق المعروفين الذين أكثر عنهم الرواية، وأكثر عليهم الترحّم والترضّي كلّما يذكره، بحيث يتعجّب الناظرُ من مدى اهتمام الشيخ الصدوق بشيخه هذا، وهذا أعلى من مرتبة الوثاقة، ولا سيّما وأنّ الذي يُكْثِرُ من الترحّم والترضّي عليه هو أحدُ أعيان الطائفة ومراجعِها في عصره، فلا يحتمل كونُ أحمد هذا مجهولاً عند هذا العالِم الخبير فضلاً عن أن يكون كذّاباً . يؤيّد هذا أنه ليس لـ أحمد هذا كتابٌ ولا أصل، وإنما هو شيخ إجازة، وأمّا الرواة الأربعة الباقون فكلٌّ منهم له أصل أو كتاب، فعُلِمَ أنّ الشيخ الصدوق قد أخذ هذه الرواية من أحد كتب هؤلاء الأربعة، وطرقُ الصدوق إلى كلّ منهم صحيح، فيمكن التعويض عن أحمد، بل يكفينا أنّ للشيخ الصدوق طريقاً صحيحاً إلى جميع كتب وروايات سعد بن عبد الله، على ما قال الشيخ الطوسي في الفهرست، فتصحّ هذه الرواية سنداً . وقلنا "يؤيّد" ولم نقل "نستدلّ" لأنّ طريق التعويض ليس دليلاً تامّاً، وذلك لاحتمال اختلاف نسخ الطرق، فقد تكون النسخة التي رواها الصدوق عن أحمد عن سعد غير النسخة التي رواها الصدوق عن (غير أحمد) عن سعد، وإن كان هذا الإحتمال ضعيفاً في نفسه، وذلك لبُعد أن يختار الشيخُ الصدوق ـ مع خبرته الواسعة ـ النسخةَ الضعيفة ويترك النسخة الصحيحة .
وفي كتاب النوادر لـ أحمد بن محمد بن عيسى : 157 ـ عن إسماعيل الجعفي عن أبي عبد الله (عليه السلام)قال : سمعته يقول : ( وُضِعَ عن هذه الأمة ست : الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه وما لا يعلمون وما لا يطيقون وما اضطروا إليه)[2] .
فالحديث لا شكّ فيه من ناحية السند .
ب ) النقطة الثانية في صحّة متنه، فقد تقول هو قبيحٌ عقلاً وبالتالي باطل، إذ لا يمكن أن يَمُنّ المولَى على عبده برفع الخطأ والنسيان، بعدما كانا مرفوعين عقلاً، إذ مِنَ الظلمِ أن يعاقب المولى عبدَه على خطأ ارتكبه أو نسيان حصل معه، فكيف بالله تعالى، وهو العدل المطلق ؟!
وكذلك يقبحُ عقلاً أنْ يعاقِبَ المولى العادي عبدَه على ما فَعَلَه مكرَهاً ـ كما لواُكره على شرب الخمر ورُفِعَ على رأسه السلاحُ ليشربه وإلاّ لقتلوه ـ وكما لو رَفَضَ امتثالَ أمْرِه الذي لا يطيقُه ـ كرفْعِ أثقالٍ يَصْعُبُ جداً حَمْلُها عليه ـ وكما فيما لو أَكَلَ المَيتةَ لاضطراره لذلك، خوفاً من أن يموت ..
والجوابُ على هذا أنّ المراد من المرفوعات في الحديث هو (الخطأ عن تقصير) فإنّ الإنسان يستحقّ العقابَ عقلاً على الخطأ الذي يصدر منه بسبب التقصير في الرعاية والإهتمام، نعم (الخطأ عن قصور) مرفوع بمقتضى العدل .
وكذلك المرفوع في حديث الرفع هو (النسيان عن تقصير) كما لو بقي يحضرُ بعض الأفلام وكان يحتمل أن ينسى صلاتَه فنَسِيَها، وإلاّ فإنّ (النسيان عن قصور) مرفوعٌ بمقتضى العدل .
وكذلك في (ما اُكرِهوا عليه)، فهناك موارد في الإكراه لا يجب فيها إطاعةُ المكرِه، كما لو أكرهوه على قتل مسلمٍ بريء، فقتَلَه، ففي هكذا حالة هو يستحقّ العقاب قطعاً، لأنه لا تقية في الدماء، لكن يمكن للمولى تعالى أن يرحمه إلى حدّ ما في الآخرة ولو لشدّة خوفه .
وكذلك الأمر في (ما لا يطيقون)، فهناك بعض الموارد ـ كصيام الشيخ الكبير ـ يمكن التكليف فيها، لكن المولى تعالى رفَعَهُ، مَنّاً مِنْهُ ورحمة .
وكذا في (ما اضطُّروا إليه)، ففي بعض موارد الإضطرار يمكن التكليف، كما فيما لو اضطُرّ في مورد الجوع أن يأكل، وكان يمكن له أن يصبر أكثر ممّا صبر، لكنه صبر بشكل طبيعي فقط، لا بشكل جهادي، فيمكن معاقبته لأنه لم يصبر أكثر، لكن الله تعالى رفع عنه العقاب في هكذا حالة .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo