< قائمة الدروس

بحث الأصول

الأستاذ الشیخ ناجي طالب

36/03/24

بسم الله الرحمن الرحیم

الموضوع : توضيح الكلام في التنبيه الأوّل

التنبيهُ الأوّل : إنه إنما تجري أصالة البراءة شرعاً وعقلاً فيما لو لم يكن المورد مورداً لجريان أصل موضوعي سواء كان الأصل الموضوعي ـ أي الوارد ـ مخالفاً في النتيجة للبراءة، كما فيما لو شككنا في قبول الحيوان للتذكية وشككنا في حليّة أكله ـ كما لو تولّد حيوان من غنمة وكلب، وشككنا في حقيقته وفي قبوله التذكية ـ فإنه إذا ذُبِحَ مع سائر الشرائط المعتبرة في التذكية، فإنه لا تجري أصالةُ إباحة أكْلِه، ذلك لأنّ أصالة عدمِ التذكية تُدْرِجُهُ فيما لم يُذَكَّ، وأكْلُ غيرِ معلوم التذكية حرام بالإجماع، وهو كما لو مات حَتْفَ أنْفِه تماماً، وذلك لأنّ موضوع الحرمة ليس فقط عنوان (الميتة) بل هو أيضاً مطلق (عدم التذكية)، وذلك لأن التذكية إنما هي نتيجة فَرْيِ الأوداج الأربعة مع سائر شرائطها ـ من التسمية واستقبال الذبيحة والذبح بالحديد ـ عن خصوصية في الحيوان التي بها يؤثر الفَرْيُ في الحيوانِ الطهارةَ وحدها ـ كما في الأرانب والثعالب ـ أو الطهارة مع الحلية ـ كما في مأكول اللحم كالغنم ـ، ومع الشك في قبول التذكية فالأصل عدم تحقق التذكية بمجرد الفري بسائر شرائطها، لأنه في حال حياته لم يكن مذكّى، فإذا شككنا في حصول التذكية ـ ولو للشكّ في قابلية الحيوان للتذكية ـ فالأصلُ عدمُ تحققها، وعليه فلا تجري أصالة الحليّة، وذلك لأنّ استصحاب عدم التذكية يتعبّدنا باعتبار الحيوان غير مذكّى، فإذن سوف يكون حراماً، فلا محلّ لجريان الحليّة، وذلك لعدم الشكّ في حليّة الحيوان وحرمته، وإنما هو غير مذكّى تعبّداً، فكيف نشكّ في حليّته وحرمته بعد وضوح الموضوع تعبّداً ؟!
ومثلُها ما لو شككنا في قرشية امرأة وقد جاءها الدم بشروط العادة فنقول إننا نستصحب عدم قرشيّتها فقد وجبت عليها الصلاة، ولا تجري البراءة من وجوب الصلاة، وإنما يجري الإستصحاب، لأنّ الإستصحاب ألغى عنها موضوع القرشية، وتعبّدنا بكونها عاميّة، فصارت متعبّدة بلزوم اعتبار ما جاءها من دم هو استحاضة، فهي إذن طاهرة، فإذن تجب عليها الصلاة . مع أنّ البراءة تبرّؤها من وجوب الصلاة، فهما ـ أي الإستصحاب والبراءة ـ إذن متخالفان هنا في النتيجة .
أو حتى ولو كان موافقاً في النتيجة للبراءة، كما لو شككنا في طروء الجلل على الحيوان، فإننا نستصحب عدم الجلل، فيصير ـ بالإستصحاب الذي هو هنا أصلٌ موضوعي ـ قابلاً للتذكية تعبّداً، وح يحلّ أكله، وهو موافق لأصالة الحليّة، وكذا لو علمنا بطروء الجلل على الحيوان وشُكَّ في أنّ الجَلَلَ في الحيوان هل يوجب ارتفاع قابليته للتذكية أم لا ؟ فهذه شبهة حكمية، فهل نستصحب قبوله للتذكية أم لا يمكن ؟ الجواب : نعم، يمكن لنا استصحاب بقاء الموضوع لإثبات بقاء قابلية التذكية، فنحن كنّا نعلم بقبوله للتذكية قبل الجلل، ثم صار جلاّلاً فشككنا هل أنّ الجلل يمنع من التذكية شرعاً أم لا، فنستصحب بقاء الموضوع من هذه الناحية على ما كان، والنتيجة هي حليّة الحيوان، وهي نتيجة موافقة لأصالة الحلّ . ورغم أنها موافقة فإنّ أصالة الحلّ لا تجري كما عرفتَ، وذلك لإلغاء موضوعها تعبّداً . وقد لاحظت أننا استصحبنا بقاءَ الموضوع فنكون بالتالي قد حوّلنا الشبهة الحكمية إلى شبهة موضوعية .
وقد تستشكل علينا فتقول : إنك اعتبرت أنّ التذكية هي عبارة عن نتيجة فرْيِ الأوداج مع سائر شرائط التذكية التي منها قبول الحيوان للتذكية، فلو استصحبت بقاء الموضوع وبالتالي أنتجنا قبول الحيوان للتذكية لنثبت عنوان (المذكّى) فقد صار هذا الإستصحابُ أصلاً مثبتاً لأنه يثبت عنواناً وجودياً بسيطاً !
فنقول في الجواب : نحن ندّعي تركّبَ علّة التذكية، فلا نقع في مشكلة الأصل المثبت، ومع ذلك نقول إنّ التذكية هي نتيجة الذبح مع سائر الشرائط، ولا مشكلة في البين، فنفس الفعل مركّب كالوضوء، والنتيجة هي النورانية الحاصلة من الوضوء .

BaharSound

www.baharsound.ir, www.wikifeqh.ir, lib.eshia.ir

logo