الأستاذ الشيخ ناجي طالب
بحث الأصول
38/01/19
بسم الله الرحمن الرحيم
الموضوع : بقيّة الكلام في (المرأة في الإسلام)
وقال الله تعالى ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنـتُم بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُّسَمًّى فَاكْتُبُوهُ، وَلْيَكْتُب بَّـيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ، وَلاَ يَأْبَ كَاتِبٌ أَن يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللهُ ، فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ ، وَلْيَتَّقِ اللهَ رَبَّهُ، وَلاَ يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئاً ، فَإِن كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً أَوْ لاَ يَسْتَطِيعُ أَن يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ، وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِن رِّجَالِكُمْ ، فَإِن لَّمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّن تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَن تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى ، وَلاَ يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا، وَلاَ تَسْأَمُوا أَن تَكْتُبُوهُ صَغِيراً أَوْ كبِيراً إِلَى أَجَلِهِ ، ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلاَّ تَرْتَابُوا ، إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَـيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ ألاَّ تَكْتُبُوهَا ، وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ، وَلاَ يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلاَ شَهِيدٌ، وَإِن تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ، وَاتَّقُوا اللهَ، وَيُعَلِّمُكُمُ اللهُ، وَاللهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282))[1] ، وهذا يعني أنّ المرأتين في طول الرجل الواحد ، أي هما بمثابة التيمّم ، لا أنهما في عرْض الرجل الواحد . وقولُه تعالى ( أنْ تَضِلَّ إحْداهُما ) دون قوله (أن تنسى إحداهما) يؤكّد أنها قد تضلّ ـ المشتقّة من الضلالة ـ أي من باب قِلّة الدين ، لا من باب النسيان ، وهذا يعني أنّ المرأة قد تهتمّ بالمال أكثر ممّا تهتمّ بدِينها وآخرتها ...
هذا القصور الفطري تشعر به نفس المرأة ـ فضلاً عن الرجل ـ ، فهي ترى نفسها خُلِقت لأشياء وأمورٍ تغاير أمور الرجال، وهي تشعر بذلك حين تـنجب صبـياً أو تـنجب أنـثى ، وهي تعلم أنه ( ليس الذكر كالأنـثى )[2] في الكثير من أمور الحياة ، ولذلك كان (ادْعُوَهُمْ لآبَائِهِمْ هُوَ أَقْسَطُ عِندَ اللهِ)[3] ، ولذلك أيضاً كان جميعُ الأنبـياء وحتى أوصياؤهم ذكوراً ، ولا يناسب فطرةَ الرجلِ أن تكون المرأة نبـيتَه أو وصيّةَ نبـي ، والرجلُ يَعْرِفُ ذلك ، نعم لا شكّ أنّ الله جلّ وعلا خَلَقَ المرأةَ لدورٍ كبـير وخطير كتربـية الأطفال وغير ذلك ، ممّا يقتضي لزومَ قرارهنّ في بـيوتهنّ وتحصينهنّ بالبـيت من أنظار الرجال الطوامح والتستّر وعدم الإختلاط والمكالمة مع الرجال الأجانب ... كلّ هذا اقتضى عدمَ إرجاع أحد من الأصحاب إليهنّ في الإستـفتاء . مع أنها قد تكون وليّةً من أكابر أولياء الله ـ كالسيدة فاطمة ـ أو تكون وصيّةَ إمام ـ لكنْ في الظاهر فقط ـ كما كانـت السيدة زينب ـ بعد واقعة عاشوراء ـ والسيدة حكيمة خاتون ابنة الإمام الجواد[4] عليهم صلواتُ الله وسلامه ، وحشرنا اللهُ معهم ، وقد تكون الأم أكثر إيماناً وتقوى وأخلاقاً وكرامةً عند الله جلّ وعلا من ألف رجل ...
لذلك يجب مراعاتُها أكثر من الأب ... لكن كلامنا من حيث العنوان الأوّلي ، لا من حيث الطوارئ العارضة على الرجل والمرأة .
نرجع إلى ما كـُنّا فيه فـنقول : كنّا قد قلنا قبل قليل إنّ سيرة العقلاء هي السيرة الناتجة من عقل العقلاء ، وليست من عرف الناس ، فقد يوجدُ قومٌ تعارفوا على شرب الخمر وعلى الفواحش ، فهذه ليست سيرة عقلاء ، وإنما هي سيرة بعض الناس ، وليس هذا هو مقصود العلماء من سيرة العقلاء . ولذلك كانـت سيرة العقلاء حجّةً دائماً ، لأنّ الشرع لا يخالف العقل مطلقاً ولا في حالة واحدة ، وإلاّ ـ لو لم يكن حُكْمُ العقلِ حجّة ، أي لو يكن القطعُ حجّة ـ لبطلت العلوم كلّها ، ويمثّلون لذلك بالسيرة العقلائيّة على المشي في الأراضي الواسعة الغير مسيّجة والغير مزروعة ، وعلى التملّك بحيازة المباحات كالطيور والحطب والحشائش مثلاً ، ويرَون أنّ هذا البناءَ موجودٌ من حين أنزل اللهُ تعالى آدمَ (عليه السلام) إلى الأرض وأنّ هذه هي الطريقة الأوّليّة للتملّك ، وإلاّ فلولا هذه القاعدة العقليّة الاوّليّة لما أمكن حصولُ التملّك عند الناس . نعم ، قد يتدخّل الشارع المقدّس بـبعض شروط في بناء العقلاء ، إلاّ أنّ أصل التملّك ـ بالنظرة الإجماليّة ـ هو أمْرٌ عقلي أوّلي ، وكما في بناء العقلاء على أصالة البراءة ـ على مسلكنا بقبح العقاب بلا بـيان ـ والحِليّة ـ تلاحظ ذلك في آية (قوله تعالى) قُل لاَّ أَجِدُ فِيمَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّماً عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلاَّ أَن يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَماً مَّسْفُوحاً ..)[5] ـ والإستصحاب ـ تلاحظُ ذلك في قول الإمام الصادق(عليه السلام) لزرارة ( .. لا ، حتى يستيقن أنه قد نام ، حتى يجيئ من ذلك أمْرٌ بـينٌ ، وإلا فإنه على يقين من وضوئه ، ولا تـنقضِ اليقينَ أبداً بالشك وإنما تـنقضه بـيقين آخر )[6] ـ وقواعد (لا ضَرَرَ ولا ضِرارَ) و (لا حَرَجَ) ـ كما في حال التقيّة مثلاً ، فإنّ الإنسان يعرف بأنه ليس له أن يضرّ نفسه ضرراً معتدّاً به ولا أن يَضُرَّ غيرَه ولا يجب أن يُحرِجَ نفسَه ، إلاّ إن كان نفس العمل مبنيّاً على ذلك كالجهاد ودفْعِ الخمس والزكاة والكفّارات ـ وكـقاعدة اليد ـ ولولا ذلك لاختلّ نظامُ العالم ـ وحصول البـيع والإجارة ونحوهما بالعقود العقلائيّة المتعارفة ـ أيضاً بنحو الإجمال ـ .